responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 40
الْعِلْمُ الْوَاضِحُ الَّذِي كَالرُّؤْيَةِ وَالْعَاقِلُ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَدْءَ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّ الْخَلْقَ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ مِنْ مَخْلُوقٍ وَإِلَّا لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ الْأَوَّلُ خَلْقًا أَوَّلَ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ هَذَا إِنْ قُلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ نَفْسِ الْخَلْقِ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَدْءِ خَلْقُ الْآدَمِيِّ أَوَّلًا وَبِالْإِعَادَةِ خَلْقُهُ ثَانِيًا، فَنَقُولُ الْعَاقِلُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ خَالِقَ نَفْسِهِ [1] لَيْسَ إِلَّا قَادِرٌ حَكِيمٌ يُصَوِّرُ الْأَوْلَادَ فِي الْأَرْحَامِ، وَيَخْلُقُهُ مِنْ نُطْفَةٍ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ، فَذَلِكَ الَّذِي خُلِقَ أَوَّلًا مَعْلُومٌ ظَاهِرٌ فَأُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْعِلْمِ لَفْظُ الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَيْ أَلَمْ يَعْلَمُوا عِلْمًا ظَاهِرًا وَاضِحًا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ يَخْلُقُهُ مِنْ تُرَابٍ يَجْمَعُهُ فَكَذَلِكَ يَجْمَعُ أَجْزَاءَهُ مِنَ التُّرَابِ يَنْفُخُ فِيهِ رُوحَهُ بَلْ هُوَ أَسْهَلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكُمْ، فَإِنَّ مَنْ نَحَتَ حِجَارَاتٍ وَوَضَعَ شَيْئًا بِجَنْبِ شَيْءٍ فَفَرَّقَهُ أَمْرٌ مَا فَإِنَّهُ يَقُولُ وَضْعُهُ شَيْئًا بِجَنْبِ شَيْءٍ فِي هَذِهِ النَّوْبَةِ أَسْهَلُ عَلَيَّ لِأَنَّ الْحِجَارَاتِ مَنْحُوتَةٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ آيَةً وَاحِدَةً مِنْهَا تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ بِجَنْبِ الْأُخْرَى، وَعَلَى هَذَا الْمَخْرَجِ خَرَجَ كَلَامُ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَهْوَنُ [الرُّومِ: 27] وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ بِالْكَيْفِيَّةِ لَا بِالْخَلْقِ وَمَا قَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ، أَوْ بَدَأَ الْخَلْقَ، وَالْكَيْفِيَّةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ؟ فَنَقُولُ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ مَعْلُومٌ، وَهُوَ أَنَّهُ خَلَقَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَأَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ هِيَ مِنْ غِذَاءٍ هُوَ مِنْ مَاءٍ وَتُرَابٍ وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِإِمْكَانِ الْإِعَادَةِ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ مِثْلُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِمَ قَالَ: ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فَأَبْرَزَ اسْمَهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ يَسِيرٌ كَمَا قَالَ ثُمَّ يُعِيدُهُ مِنْ غَيْرِ إِبْرَازٍ؟ نَقُولُ مَعَ إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُ يَسِيرٌ فَأَكَّدَهُ بِإِظْهَارِ اسْمِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَعْرِفَةَ أَيْضًا بِكَوْنِ ذَلِكَ يَسِيرًا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا سَمِعَ لَفْظَ اللَّهِ وَفَهِمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَادِرُ، بِقُدْرَةٍ كَامِلَةٍ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، الْعَالِمُ بِعِلْمٍ مُحِيطٍ بِذَرَّاتِ كُلِّ جِسْمٍ، نَافِذُ الْإِرَادَةِ لَا رَادَّ لِمَا أَرَادَهُ، يَقْطَعُ بجواز الإعادة. ثم قال تعالى:

[سورة العنكبوت (29) : آية 20]
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَانَتْ إِشَارَةً إِلَى الْعِلْمِ الْحَدْسِيِّ وَهُوَ الْحَاصِلُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فَقَالَ أَوَلَمْ يَرَوْا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ بِمَعْنَى اسْتِبْعَادِ عَدَمِهِ، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَكُمْ هَذَا الْعِلْمُ فَتَفَكَّرُوا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِتَعْلَمُوا بِالْعِلْمِ الْفِكْرِيِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ مَرَاتِبُ فِي الْإِدْرَاكِ بَعْضُهُمْ يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ وَإِقَامَةِ بُرْهَانٍ لَهُ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَفْهَمُ إِلَّا بِإِبَانَةٍ وَبَعْضُهُمْ لَا يَفْهَمُهُ أَصْلًا فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، أَيْ سَيِّرُوا فِكْرَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَأَجِيلُوا ذِهْنَكُمْ فِي الْحَوَادِثِ الْخَارِجَةِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ لِتَعْلَمُوا بدء الخلق وفي الآية مسائل:
الْأُولَى: قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِلَفْظِ الرُّؤْيَةِ وَفِي هَذِهِ بِلَفْظِ النَّظَرِ مَا الْحِكْمَةُ فِيهِ؟ نَقُولُ الْعِلْمُ الْحَدْسِيُّ أَتَمُّ مِنَ الْعِلْمِ الْفِكْرِيِّ كَمَا تَبَيَّنَ، وَالرُّؤْيَةُ أَتَمُّ مِنَ النَّظَرِ لِأَنَّ النَّظَرَ يُفْضِي إِلَى الرُّؤْيَةِ، يُقَالُ نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ

[1] - المراد بنفسه هنا نفس الإنسان فهو من إضافة اسم الفاعل لمفعوله له لا لفاعله كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، تعالى الله عن الشبه والمثل والنظير.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 40
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست